تعلمت من البحر
أن أحفظ كل ثمين وغال في أعماقي وأن أطرد منها كل غثٍ ورخيص؛ فالبحر يحفظ بأقصى قاعة الدرر النفيسة،
ويطرد إلى شاطئه كل الأشياء القبيحة.
تعلمت من البحر:
قيمة الكتمان؛ فهو الذي لا يفشى أسراره إلا لمن يصونها ويعرف قيمتها، ويبذل قصارى الجهد في الوصول إليها.
تعلمت من البحر:
أن أتماسك، وأن ألملم شظايا نفسي المبعثرة إثر ضغوط حياتية أو منايا نفسية؛ فالبحر الذي يدع الحجر الصغير يمر
إلى قاعه غير مكترث له، يحمل على متنه سفناً وبواخر تناظر الجبال حجماً ووزناً، ذلك أن جزيئات سطحه تتماسك معاً
فتحمل في هدوء تلك المدن المتحركة والثابتة على سطحه.
تعلمت من البحر:
ألا أنظر إلى ما فات؛ فكم تلك الموجات التي كسرها شاطئه، لكن الموج مستمر، والبحر لم يتخل عن سماته.
تعلمت من البحر:
قيمة التعايش ومعنى التأثير والتأثر بمجريات الحياة؛ لأقول لمن حولي أنا موجود، أؤثر وأتأثر، وأقول وأسمع.
تعلمت من البحر:
الهدوء الذي تصحبه الهيبة، فلا جرَّأ هدوء الموج وسكون السطح أحداً على الخوض فيه بلا اكتراث أو
حساب، فالبحر مُهاب وإن تلاعب بعض الأطفال في بعض مائه.
تعلمت من البحر:
أن أقبل الآخر مهما كان لونه أو جنسه أو دينه؛ فالبحر يفتح صدره للجميع بلا تفريق ولا تميز، ويمنح
السعادة لكل من قصدها فرحا مما لامس شغاف القلب.
تعلمـت من البحر:
كيف يكون الهدوء؛ عند لحظة الغروب.
تعلمـت من البحر:
كيف ألقي أمواج الغضب إذا حدثت في محيطي عاصفـة.
تعلمـت من البحـر:
من تسرع وقذف نفسه في منتصف البحر باحثاً عن أمر يسد به فضوله؛ أغرقـه.
تعلمـت من البحر:
كل شيء ... إلا الغدر لم ولن أتعلمـه أبداً |